التلمذة هدف الإرسالية العظمى

التاريخ

١٣ مايو ٢٠٢٠

الموضوع

الإرسالية

الكاتب

پول واشر

المصدر

«تَلْمِذُواجَمِيعَ الأُمَمِ»- متى 28: 19
الإعلان المذكور أعلاه هو الوصية "العظمى" للإرسالية العظمى. وفي الحقيقة، هي الوصية الوحيدة في متى 28: 18-20. تعمل الكلمات "اذهبوا"، و"عَلِّموا"، و"عَمِّدوا" ببساطة كأدوات لتوضيح كيفية تنفيذ هذه الوصية. إن غاية الإرساليات ليست هي الذهاب، أو التعليم، أو حتى التعميد، بل هي التلمذة، أي صناعة تلاميذ! لذلك بغض النظر عن غيرتنا أو تضحيتنا، سيتبيَّن أن عملنا في الإرسالية لن يعدو كونه قشًا، وخشبًا، وتبنًا (1كورنثوس 3: 12)، إن كنا لا نجتهد لتتميم المهمة التي أُرسلنا لأجلها، ألا وهي أن نصنع تلاميذ.
هدف التلمذة

تُرجمت عبارة "تلمذوا" من الكلمة اليونانية matheteúo المشتقة من الفعل mantháno ومعناه "يتعلَّم". وتدل صيغة الاسم mathetés التي كثيرًا ما تُترجم "تلميذ"، على من يدرس أو من يتعلَّم. ومن ثم، يكون التلميذ هو الشخص الذي يتعلَّم دائمًا من خلال تلقِّي التعليم والاقتداء ليكون مثل معلِّمه. وتلميذ المسيح هو الشخص الذي إذ دخل في علاقة خلاصية معه بالإيمان، صار يسعى الآن بنشاط ليصير مثله من خلال دراسة تعليمه واستيعابه، والاقتداء بشخصه. يناسب هذا التعريف بدقة كلمات المسيح التالية:
«لَيْسَ التِّلْمِيذُ أَفْضَلَ مِنَ الْمُعَلِّمِ، وَلاَ الْعَبْدُ أَفْضَلَ مِنْ سَيِّدِهِ.يَكْفِي التِّلْمِيذَ أَنْ يَكُونَ كَمُعَلِّمِهِ، وَالْعَبْدَ كَسَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدْ لَقَّبُوا رَبَّ الْبَيْتِ بَعْلَزَبُولَ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ أَهْلَ بَيْتِهِ!»(متى 10: 24-25).

الهدف الأعظم لدى التلميذ هو أن يكون مثل معلِّمه. في معظم –إن لم يكن في كل- الديانات والنُّظُم السلوكية خارج المسيحية، يحرز التلميذ في النهاية المستوى نفسه الذي للمعلِّم وربما أيضًا يحل محله. رغم ذلك، في الإيمان المسيحي، ومهما بلغ مدى تقدُّم التلميذ، فهو يبقى دائمًا تلميذًا. المعلِّم المسيحي ليس مجرد رجل سار دربًا أطول من تلميذه؛ بل هو الله المتجسِّد، إنه التجسيد الفعلي لكل حق، وحكمة، وبر. وهو منفصل ومتميِّز عن تلاميذه وعن الخليقة نفسها. والفرق ليس فقط كمِّيًّا، فإن هذا المعلِّم يندرج في فئة فريدة خاصة به هو فقط! لهذا يُشار إلى التلميذ المسيحي دائمًا بالتلميذ، ولا يُشار إليه البتة بالمعلِّم أو السيِّد. قال يسوع:
«وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِي، لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ، وَأَنْتُمْ جَمِيعًا إِخْوَةٌ.وَلاَ تَدْعُوا لَكُمْ أَبًا عَلَى الأَرْضِ، لأَنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.وَلاَ تُدْعَوْا مُعَلِّمِينَ، لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ» (متى 23: 8-10).

يُحسن المرسَل صُنعًا لو تذكَّر هذه الحقيقة. فعلى غرار التقديس، فإن التلمذة عملية لا تنتهي، حيث نتعلَّم دائمًا، ونسعى دائمًا إلى استيعاب مزيد من الحق، ونجتهد دائمًا للاقتداء بالسيِّد. ولا يكتمل تدريبنا بالتخرج في كلية لاهوت أو معهد لدراسة الكتاب المقدس، بل ينتهي فقط عند مجيء ربنا في المجد وعندما يتغيَّر «شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ، بِحَسَبِ عَمَلِ اسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ» (فيلبي 3: 21).
صفات التلميذ الحقيقي

تعني وصية المسيح "تلمذوا" شيئًا ذا أهمية أكبر من إحصاء الأيادي المرفوعة أو بطاقات القرارات في نهاية حملة كرازية ما. فتلميذ المسيح هو الذي تحوَّل أو اهتدى على نحو صحيح من خلال الوعظ بالإنجيل، وهو الذي يُثمر ثمرًا يدل على أنه تاب وآمن فعلًا (متى 3: 8؛ لوقا 3: 8). إنه الشخص الذي إذ تبرَّر بالإيمان بسيِّده، لا يكف عن التغيُّر إلى صورة سيِّده.

في أرجاء الأناجيل، نجد صفات متعددة للتلمذة الحقيقية. ومع أن تناول كل تلك الصفات يخرج عن نطاق هذا المقال، ثمة ثلاثة نصوص في إنجيل يوحنا يصف فيها المسيح صفات التلميذ الضرورية.وتعتبر هذه النصوص الثلاثة موجزًا شاملًا لمعنى أن يكون المرء تلميذًا وصانع تلاميذ.
أول صفة للتلميذ الحقيقي نجدها في يوحنا 8: 31-32، حيث نقرأ: «فَقَالَ يَسُوعُ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ:«إِنَّكُمْ إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كَلاَمِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ تَلاَمِيذِي،وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ». هنا نتعلَّم أن التلميذ الأصيل للمسيح لا يكف عن الخضوع لكلمته أو تعليمه، وبناء عليه، يختبر حرية متزايدة باستمرار من عبودية الخطية. لا يُعلِّم يسوع بأي حال بكمالٍ خالٍ من الخطية في حياة تلاميذه، بل يخبرنا بأن التلميذ الحقيقي يتمسَّك دائمًا بكلمته (أي كلمة المسيح) وينمو في النعمة نتيجة لذلك.

الصفة الثانية للتلميذ الحقيقي نجدها في يوحنا 13: 35، حيث نقرأ: «بِهذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ». نتعلَّم هنا أن تلميذ المسيح سيتَّحد على نحو منفتح بتلاميذ آخرين ويحبهم بدرجة غير عادية تتمثَّل في أعمال خدمة عملية لدرجة أنه حتى العالم غير المؤمن سيشهد لعلاقتهم بالمسيح. تكسر هذه المحبة كل الحواجز، سواء أكانت بسبب العِرق، أو الطبقة الاجتماعية، أو المستوى الاقتصادي.

الصفة الثالثة للتلميذ الحقيقي نجدها في يوحنا 15: 8، حيث نقرأ: «بِهذَا يَتَمَجَّدُ أَبِي: أَنْ تَأْتُوا بِثَمَرٍ كَثِيرٍ فَتَكُونُونَ تَلاَمِيذِي.» هنا نتعلَّم أن تلميذ المسيح يُثمر ثمرًا أو أعمالًا تبرهن صحة اعترافه (إيمانه). إن هذا أحد تعاليم المسيح الأهم عن الإيمان الحقيقي والتلمذة. فكِّر في الآية التالية: «فَإِذًا مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ.«لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.»

واضح من النص أعلاه أن التلمذة الحقيقية ليست شيئًا تافهًا أو سطحيًّا. فقد قُلنا من قبل إن التلميذ الحقيقي هو الذي يكرِّس حياته للتعلُّم من سيِّده والاقتداء به. ولكن كيف يتم ذلك في سياق الإيمان المسيحي؟ مرَّ ألفا سنة منذ أن عاش المسيح على هذه الأرض. كيف لنا أن نطمئن إلى أننا نعيش كما عاش هو؟ (1يوحنا 2: 6). الإجابة عن هذا السؤال الأساسي مُعلنة في الإرسالية العظمى نفسها. يتعلَّم التلميذ أن يتبع المسيح من خلال الأوامر التي أعطاها له المسيح (متى 20: 19). بعبارة أخرى، لا يمكننا أن نكون تلاميذ المسيح بمعزلٍ عن تعاليمه ووصاياه التي حفظها لنا في الكتاب المقدس. والتلمذة الناضجة هي استحالة مطلقة بمعزلٍ عن مشورة الله الكاملة المسجَّلة في الكتاب المقدس، وأي عملية صناعة تلاميذ لا تُبنى على كلمة الله الخالية من الخطأ هي ضربٌ من السخافة، وتناقضٌ من أسوأ الأنواع. فلكي يكون الحصاد صحيًّا، لا بد من غرس بذور صحيحة وبوفرة، من دون خلطها ببذور من نوع آخر. إن لم تُتَّبع هذه القاعدة بصرامة، ستكون النتيجة حصاد متبدِّل، وخليط خطير من كل الأنواع.
من أجل هذا، إن كان المرسَل يبتغي أن يكون صانع تلاميذ، عليه أن يكون هو نفسه تلميذًا. يجب عليه أن يكون مواظبًا على تعاليم سيِّده الموجودة في الكتاب المقدس. كما عليه أن يخصِّصَ حياته بكاملها لطاعة وصايا المسيح، وتعليمها لآخرين، ضاربًا مثلًا عمليًّا عليها بحياته الشخصية.إن هذا حق عظيم! ولا يمكن المغالاة فيه!
نطاق التلمذة

كان المسيح في الإرسالية العظمى واضحًا وغير متحفِّظ: علينا أن نتلمذ "جميع الأمم". خامرَ الشك بعض الدارسين في أن عبارة "جميع الأمم" كانت متضمَّنة في الإرسالية الأصلية. وكانت حجتهم في ذلك هي أن المسيح لو كان محدَّدًا جدًا فيما يتعلق بشمولية الإرسالية، لما كان التلاميذ ترددوا كثيرًا في الكرازة للأمم. لكن هذا التفسير غير ضروري بالكليًّة. وإليك تفسير آخر، معقول أكثر: كان تردد التلاميذ راجعًا إلى تحيُّزهم المفرط. في الحقيقة كان التحيُّز ضد الأمم متأصِّل بشدة داخل الكنيسة الأولى المكوَّنة من يهود، ولم تُحسم قضية هذا التحيُّز أخيرًا إلا بعد مجمع أورشليم (أعمال الرسل 15: 1-35).

تتعرض وصية صناعة التلاميذ لخطر عدم إطاعتها. وحتى اليوم تعمل بعض القوى على لفت انتباه الكنيسة بعيدًا عن مسئوليتها نحو العالم. أولًا، توجد مشكلة "البعيد عن العَين، بعيد عن القلب (أو عن الفكر)". والمُرادُ البعيد المنال سرعان ما يُنسى. ثانيًا، هناك مَيلٌ بين الأفراد والجماعات على حد سواء إلى الأنانية وحب الذات وحمايتها. ثالثًا، ثمة شعور ثقافي قوي يَعتبر النشاط الديني التبشيري تكبُّرًا وعدم تسامح، ويكاد يكون جريمة في حق الإنسانية. أخيرًا، توجد هرطقة صغيرة ولكنها آخذة دومًا في الاتساع، ألا وهي هرطقة مذهب الشمولية، وهي الفكرة التي تقول بأن المسيحية، مع أنها ربما تقدِّم إعلانًا للحق أسمى من غيره، فإن ديانات أخرى تحتوي على ما يكفي من الحق لاقتياد أتباعها إلى الله. وفي وجه المقاومة الآخذة في الازدياد وعدد الخصوم الذي لا حصر له، لا بد للمرسَل أن يكون مقتنعًا تمامًا بالمصداقية المطلقة لأحد ادعاءات يسوع الأكثر راديكالية: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي»(يوحنا 14: 6). علاوة على ذلك، على المرسَل أن يؤمن بأن مشيئة الله هي أن يُكرز بالإنجيل للخليقة كلها (مرقس 16: 15). وأخيرًا، يجب على المرسَل أن يتمسَّك بلا تردد بالحق الذي يقول إن هذا لن يحدث إلا إذا ترك رجالٌ ونساءٌ كلَّ شيءٍ ليتبعوا المسيح إلى أرض غير معروفة:
«فَكَيْفَ يَدْعُونَ بِمَنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يُؤْمِنُونَ بِمَنْ لَمْ يَسْمَعُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يَسْمَعُونَ بِلاَ كَارِزٍ؟وَكَيْفَ يَكْرِزُونَ إِنْ لَمْ يُرْسَلُوا؟»(رومية 10: 14-15).

لقراءة المقال باللغة الإنجليزية:
https://heartcrymissionary.com/theological-forum/discipleship-the-goal-of-the-great-commission/
مشاركة المقالة
عن الكاتب
پول واشر

خدم پول واشر كمرسل في پيرو مدّة عشر سنوات، والتي أسَّس خلالها جمعية هارت كراي الإرسالية لدعم زارعي الكنائس في الپيرو. يخدم پول حاليًّا كأحد العاملين في جمعية هارت كراي لدى پول وزوجته كارو ثلاثة أبناء: إيان، وإيڤان، وروان.

المزيد من المقالات