اعتراضاتٌ على التَّلمذة

التاريخ

٠٢ فبراير ٢٠٢٤

الموضوع

التلمذة

الكاتب

مارك ديڤير

المصدر

أَعلَم أنني استخدمتُ هنا كلمة "تلمذة"، في حين يستخدم آخرون كلماتٍ مُختلفة. ففي بريطانيا، تبدو عبارة "القراءة مع شخص آخر" أكثر شيوعًا. وهنا في الولايات المتَّحدة، يقول النَّاس إن لديهم "شريك مساءلة"، أو "شريك صلاة". بغض النظر عن التسمية، أنا أستخدمُ الكلمة كاختصارٍ لمفهوم مُساعدة الآخرين على اتَِباع يسوع، عن طريق فعل خير روحي متعمَّد في حياتهم. ينطوي ذلك على المبادرة، والتعليم، وتقديم قدوة حسنة، والمحبَّة، والاتضاع.
لكن حتَّى إنِ أمكننا أن نتفق معًا على التسمية أو المُصطلح، لا يزال بعض المؤمنين يُواجهون صعوبة مع مفهوم التَّلمذة برمته، ويشعرون بعدم ارتياح منه. فهم لا يحبُّون فَرضَ أفكارٍ غير مرغوبٍ فيها على الآخرين، أو التصرُّف كما لو أنَّهم (فوق) الآخرين.
يُمكنُ إبداء عددٍ لا يُحصى من الاعتراضات على التلمذة، لكن دعونا نشير إلى بعضٍ منها، بالإضافة إلى ردودي السريعة عليها.


الاعتراضُ الأوَّل: "المتلمِذ ليس شخصًا مثاليًا"
الردُّ: ولا أنت أيضًا مثاليٌ. فالشخص الكامل الوحيد في هذه المعادلة هو الله. وهو يتمجَّد باستخدام آنية غير كاملةٍ مثلي ومثلك. وكلَّما ازداد اتضاعك، اكتشفتَ أنَّه يمكنك التعلُّم من أيِّ تلميذٍ آخر حقيقي.


الاعتراضُ الثاني: "إذا استمع التلميذ طوال الوقت إلى متلمِذه، فربما يتوقف عن الخضوع لأيِّ مصدر سلطة جيد آخر، كالوالِدَين، أو شريك الحياة، أو الكنيسة"
الردُّ: عندما تمارَس التلمذة الجيدة بطريقة سليمة، ستُشجِّع على الخضوع اللائق لأيَّة سلطةٍ أقامَها الله


الاعتراضُ الثالث: "هذا كلُّه يبدو تمركزًا حول الذات وكبرياءٍ".
الردُّ: أتفهَّم جيدًا أن هذا ما يمكن أن يبدوَ عليه الأمر. لكنَّ التَّلمذة المسيحية تدعونا إلى اتِّباع شخص آخر فقط بقَدر اتِّباعه للمسيح. وهي لا تدعونا إلى اتباع نمط حياةِ شخصٍ آخر، أو ميوله الثقافيَّة، أو حكمته الدنيويَّة، أو عاداته الشخصيَّة. فإذ تدعونا التَّلمذة إلى أن نكون قدوة بعضنا لبعض في التمثُّل بالمسيح، فهي تنشئ في داخلنا اتضاعًا شديدًا. والأهم من ذلك كلِّه أن التلمذة ببساطة هي ممارسة كتابيَّةٌ.


الاعتراضُ الرابع: "أليسَتِ التَّلمذة هي ممارسة ضغط على شخص آخر، وفرض المرء نفسه على شخص آخر؟"
الردُّ: تمارَس التَّلمذة المسيحية في إطار علاقةٍ متَّفق عليها بالتبادل بين كلِّ الأطراف المَعنيَّة.


الاعتراضُ الخامس: "لستُ بحاجة إلى التَّلمذة. أعني بذلك أن أهم أمور الحياة المسيحية هي بكلِّ تأكيدٍ بديهيَّة وجليَّة! ومن ثَمَّ، فإنني مشغولٌ لدرجة تمنعني من وضع التلمذة أولوية".
الردُّ: يبدو ما تقولُه شبيهًا بمتلازمة "الانعزالية". لم يمُت يسوع لأجل أفرادٍ منفصلين، بل لأجل كنيسةٍ. وعندما تبنَّاك الله، ضمَّك إلى عائلةٍ، بحيث صار لك الآن إخوةٌ وأخوات. والأكثر من ذلك أنه يخبرنا بأننا حين نحب بعضنا بعضًا، نُظهِر انتماءنا إلى عائلته، ومحبَّتنا له. نستطيع أن نفعل ذلك بخضوعنا لكنيسة محلية، ودخولنا في شركة معها. صحيح أن المسيحيَّة ديانة شخصية، لكنَّها ليسَت ديانة فردية. فإنك بحاجة إلى الدخول والانخراط في حياة الآخرين، كما إنك تحتاج إليهم في حياتك. فالله هو الشخص الوحيد الذي ليس بحاجة أن يتعلَّم.


الاعتراض السَّادس: "التَّلمذة لا تصلحُ للأشخاص الانطوائيِّين"
الردُّ: كلا، فالتَّلمذة تصلح لجميع المؤمنين. ربما يتنوَّع عدد علاقات المرء بحسب نوع شخصيته، وظروف حياته، وما إلى ذلك؛ لكن عدم وجوده في أيَّة علاقة على الإطلاق ليس خِيارًا مطروحًا أمام إيمان محوره المحبَّة والغفران. تحدَّث مع مؤمنين ناضجين آخرين حتى يساعدوك على التفكير في ذلك من جهة حياتك الشخصية.


الاعتراض السابع: "لا يمكنني تلمذةَ آخرين، فإنني غير كامل، وأُخطئ. كما إنني أصغر من أن أفعل ذلك".
الردُّ: إذا كنتَ تتبع المسيح بحقّ، فكلُّ ما تحتاج أن تفعله هو أن تحدِّث الآخرين بما تعرفه، وليس بما لا تعرفه. قد يعني ذلك، بالنسبة لكثيرين من المحيطين بك، فقط أن تكرز برسالة الإنجيل! أما مع أعضاء كنيستك الآخرين، فقد يعني ذلك أن تبادر بفتح أحاديثَ روحيَّةٍ معهم، عن طريق طَرحَ أسئلة، والتحدَُث إليهم بشأن ما تتعلَّمه، والصَّلاة لأجلهم. فأيُّ شخصٍ يتبع المسيح بحقٍّ قادرٌ أن يُتلمِذ.


الخاتمة
التَّلمذة هي مُساعدة شخصٍ آخر على اتِّباع يسوع، عن طريق فعل خير روحي متعمَّد في حياته. فقد صِرنا مؤمنين لأنَّ أحدهم فعلَ ذلك معنا، ولأن شخصًا آخر فعلَ ذلك معهم، وهكذا دواليك رجوعًا حتى إلى التلاميذ الأوائل. فإن شهود العِيان الأوائل الذين رأوا يسوع علَّموا بما أوصاهم بأن يعلِّموا به، فنتجَ عن ذلك شهودٌ بالسَّمع، ثم استمرَّ الأمر إلى يومنا هذا. والآن، حانَ دَورُنا. ومن ثم، يعتمدُ جيلُ المستقبل من التلاميذ على اتِّباعنا نحن لمثال أولئك التلاميذ الأوائل، في خضوعٍ لسيادة الله. فالتَّلمذة تمثِّل جزءًا من أن نكون تلاميذ للمسيح.


حتى الآن، شجَّعتُ على ممارسة التَّلمذة بوجه عام بصفتها عملًا فرديًّا يمارسه شخص مع شخص آخر. وقد تجري بعض علاقات التَّلمذة خارج إطار عضويتنا المشترَكة في كنيسةٍ ما. لكن، كي تُستعلَن محبَّةُ المسيح بجلاءٍ أمام العالم المحيط بنا (انظر يوحنَّا 13: 34_35)، ينبغي أن يُمارَس قدر كبير من التَّلمذة داخل إطار الكنيسة المحلِّيَّة. فكلُّ مؤمنٍ بحاجة ليس فقط إلى مؤمنٍ آخر، بل أيضًا إلى جسدٍ كاملٍ!.


 
مشاركة المقالة
عن الكاتب
مارك ديڤير

مارك ديڤير (Mark Dever) حاصل على دكتوراة من جامعة كامبريدج وراعي كنيسة كابيتول هيل المعمدانية بواشنطن العاصمة، ورئيس جمعية (9Marks). كتب عدة كتب عن صحة الكنيسة وقيادتها.

المزيد من المقالات