التاريخ
٢٩ مايو ٢٠٢٤الموضوع
القيادةالكاتب
مارك ديڤيرالمصدر
6. أبدِ رأيك
عندما تفوِّض، وتُكلِّف آخرينَ بمسؤوليَّات، وتتيح لهم فرصًا للخدمة، عليك أيضًا أن تضع هيكليةً لإبداء الرَّأي وتقديم الملاحظات. كبدايةٍ، يعني ذلك أن تعلِّم الذين تتلمِذُهم من خلال حياتك كيفية توجيه واستقبال النَّقدَ الصادق والسليم. فعليك أن تكونَ صادقًا ومترفقًا بالإخوة بشأن الأمور التي يُمكنهم التحسُّن فيها.
فإن نجاحك في تقديم نقد صادق وسليم سيزداد كثيرًا حين تكون نموذجًا يُحتذَى به في استقبال النقد الصادق والسليم. كي أشجِّع على ذلك في كنيستي، أُحاول تقبُّل التعليقات الناقدة دون الردِّ عليها (لا يعني هذا أنني أنجح دائمًا في ذلك)، حتَّى وإنْ لم أكن متفقًا مع النقد. لكنني أردُّ فقط إذا شعرتُ بأن هذا النقد قد يُضلِّل آخرين. لكنْ، إذا حدث وهاجمْتُ كلَّ نقدٍ بنَّاء يوجهه لي شخص أصغر مني في العمر، وحاولتُ إخماده، ولا سيَّما بعدما أكون قد طلبتُ رأيه، فسرعان ما سيتعلَّم هذا الشابُّ أنَّه من غير المجدي (بل ومن المُحرِج أيضًا)، أن يعطيني رأيه الصريح. وهذا لن يكون مفيدًا لي على الإطلاق، لأنَّه ثمة مجال دائمًا في خدمتي للتحسين. فقد ساعدَتْني التعليقاتُ والتقييمات التي تلقَّيتُها على مدار عشرين عامًا كثيرًا لأخدم كنيستي على نحو أفضل.
بالإضافة إلى وجوب تقديمنا نموذجًا يُحتذَى به في توجيه واستقبال نقد صادق وسليم، ينبغي أيضًا أن نكون نموذجًا يُحتذَى به في تقديم تشجيع صادق وسليم للآخرين. كان لدى بولس الكثير من الانتقادات التي يمكن أن يوجِّهها إلى كنيسة كورِنثوس، لكنَّه مع ذلك بدأ رسالته إليهم بشكرٍ لله عليهم: "أَنَّكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ ٱسْتَغْنَيْتُمْ فِيهِ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ وَكُلِّ عِلْمٍ... حَتَّى إِنَّكُمْ لَسْتُمْ نَاقِصِينَ فِي مَوْهِبَةٍ مَّا" (1كورنثوس 1: 5، 7). لا أظن أنَّ بولس كان بهذا يتملَّق مؤمني كورنثوس، أو يجاملهم، بل أرى أنَّه كان يقرُّ بحقٍّ بما فعله الله معهم. ألا ينبغي أن نقرَّ بأنَّ ما يأتي من عند الله هو لله، مثل براهين النِّعمة في حياة بعضنا بعض؟ فإن تشجيع القادة المحتمَلين يُمكن أن يُساهِمَ في تعلُّمهم كيف يشكرون الله ويحمدونه.
في كثيرٍ من الأحيان، رأيتُ رجالًا، ولا سيَّما من الشباب، يتصرَّفون كما لو أنَّ القيادة الحقيقيَّة تتمثَّل في تقويم الآخرين. ولهذا السَّبب، كثيرًا ما تمتلئ عظات الشباب بالتوبيخات. لكن، ما لا يعرفه هؤلاء هو أنَّك تستطيع أن تُحقِّقَ المزيد من خلال التشجيع. في بعض الأحيان يكون التوبيخ مطلوبًا. لكن 80-90% من الأمور التي ترجو تقويمها يُمكن أن يتحقَّقَ بالتَّشجيع. فإذا تذكَّرتَ حياتك الماضية، وفكَّرتَ في أكثر الأشخاص الذين أحدثوا فيك تأثيرًا، ستكتشف على الأرجح أنَّهم هم الأشخاص الذي آمنوا بكَ وشجَّعوك. أدلى هنري دروموند (Henry Drummond) ذات مرة بالملاحظة التالية: "إذا فكَّرت للحظة، ستكتشف أنَّ الأشخاص الذين لهم تأثير في حياتك هُم أولئك الذين يؤمنون بك. فالناس يذبلون في المناخ المشوب بالشك، بينما يحرزون تقدُّمًا، ويجدون التشجيع والتعليم في مناخ من الثقة والتشجيع".
عندما أُلاحظُ أنَّ الرِّجال الذين أُتلمذُهم يُقدِّمون التشجيع والنَّقد، سواء لي، أو لبعضهم البعض، أعرفُ الكثير عنهم هم أنفسهم، بقدر معرفتي بطبيعة الشيء الذي يعلِّقون عليه. يبدو لي الأمر كما لو أنني أقف في معرضٍ للوحات، دون أن أنظر إلى اللوحات نفسها، بل إلى الأشخاص الذين يشاهِدون هذه اللَّوحات، طارحًا على نفسي أسئلة من قبيل: ما الذي يجذب هؤلاء وما محور تركيزهم؟ إذا كنتَ راعي كنيسة، فمن المُؤكَّد أنَّك إذا قمتَ بوضع نظام للتقييم وإبداء الرأي، سيساهم ذلك في حدوث هذا النَّوع من التَّلمذة.
7. شجِّعِ السُّلطة الصالحة
في كثير جدًا من الأحيان، لا يدرك النَّاس كم يمكن للسلطة الصالحة أن تكون هبة وعطية رائعة. فإن إقامةَ قادةٍ يتطلَّب منا أن نعلِّم عن شكل السُّلطة الصالحة، ونشجِّعها. علَّمَ يسوع تلاميذَه بالتأكيد عن الاستخدام السليم للسُّلطة (متَّى 20: 25-27).
يسيء هذا العالمَ السَّاقط استخدامَ السُّلطة، ويكذبُ بشأن السُّلطة التي تُستخدَم بطريقة سليمة. فقد تمثَّلت كذبةُ الشيطان الأساسيَّة على آدم وحوَّاء في أنَّ الله لا يمكن أن يحبهما ويحرمهما من شيء في الوقت ذاته.
عندما أجد البعض يستحون من الفكر التكامُلي، ويحاولون تبريره، أعلم في الحال أنَّهم يتبنّون على الأرجح نظرة خاطئة إلى السُّلطة، معتبرين إياها مجرَّد فائدة للشَّخص الذي يتمتع بها. يبدو لي أن هؤلاء لم ينجبوا أولادًا! فالسُّلطة تبدو فائدةً فقط لمَن لا يتمتع بها. لكن حين تتمتع بالسُّلطة، سيبدو لك أن الكثير جدًا من "الفوائد" يتلاشى ويتبخر، وستدرك أن قدرًا كبيرًا من السلطة يُعدُّ خدمة -صحيح أنها خدمة مجيدة، لكنها تظلُّ مع ذلك خدمة.
اتضح لي ذلك منذ بضع سنواتٍ عندما كنتُ أعظ من سفر صموئيل الثاني. وكانت "الكلمات الأخيرة" التي نطق بها داوُد صادمةً لي: "إِذَا تَسَلَّطَ عَلَى ٱلنَّاسِ بَارٌّ يَتَسَلَّطُ بِخَوْفِ ٱللهِ، وَكَنُورِ ٱلصَّبَاحِ إِذَا أَشْرَقَتِ ٱلشَّمْسُ. كَعُشْبٍ مِنَ ٱلْأَرْضِ فِي صَبَاحٍ صَحْوٍ مُضِيءٍ غِبَّ ٱلْمَطَرِ" (2صموئيل 23: 3-4). فالسُّلطة الصالحة تُباركُ الخاضعين لها، وتعتني بهم. فالناس سينجذبون إلى السُّلطة الصالحة التي تبذل نفسها لخير ومنفعة الذين هم تحت رعايتها، بدلًا من أن تستغلَّهم لتحقيق مصالحها الشخصية. لاحظ كيف تزدهرُ أية عائلة تحت رعاية والدَين صالحين، أو كيف ينجح ويزدهر أي فريق رياضي تحت قيادة مدرِّبٍ جيِّد.
ولهذا السبب، من الخطايا المدمِّرة التي تسيء بشدة إلى الله هي سوء استخدام الرُّعاة لسلطتهم. علاوة على ذلك، تلك القصص عن كارزين بإنجيل الرَّخاء يشترون لأنفسهم طائرات خاصَّة بعشرات الملايين من الدولارات إنما تشير على نحو لا يصدَّق إلى أمرٍ مُلتوٍ وشيطانيٍّ. فمثل هؤلاء "الرُّعاة"" ينطقون بتلك الكذبة عينها التي همس بها الشَّيطان في أذني آدم وحوَّاء في جنَّة عدن، ألا وهي أنَّ السُّلطة ما هي إلَّا وسيلةً لاستغلال الآخرين لمنفعة القائد وتحقيق مصالحه الشخصيَّة.
نشكر الله أنَّ الملك على الصَّليب أظهر لنا، فيما يتعلَّق بالسُّلطة الصالحة، أنَّ العكسَ هو الصحيح.
ومثلما علَّمَ يسوعُ تلاميذَه عن الاستخدام السليم للسُّلطة، علينا أن نفعلَ الشَّيءَ ذاتَه مع كلِّ من نسعى إلى أن نقيمه ليكون قائدًا. وعلى الرُّعاة أن يكونوا نموذجًا يُحتذى به في التمتُّع بهذا النوع نفسه من السُّلطة.
8. توقَّعِ الوضوح
على القادة في الكنيسة أن يعرفوا كيف يتحلّون بوضوح استثنائي بشأن العقيدة، وبشأن تعليم الحقِّ بوجه عام. وهذا أمرٌ يُفهَم ضمنًا ممَّا علَّم به بولس شيوخ كنيسة أفسس في أعمال الرسل 20. كذلك، كانت هذه حقيقة سلَّم بها بولس في رسائله إلى تيموثاوس وتيطس. فعلى سبيل المثال، ذَكَر بولس أن "آدَمُ لَمْ يُغْوَ، لَكِنَّ ٱلْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي ٱلتَّعَدِّي" (1تيموثاوس 2: 14). على القائد أن يتحلَّى بصفاء الذهن بشأن الحقِّ. فإنك بحاجة إلى أشخاص يتمتعون بالقدرة الطبيعيَّة على الردِّ عن السؤال: "لماذا؟"، كما يتمتعون بوضوحٍ خاص بشأن موضوعات معيَّنة، مثل أساسيات علم اللاهوت والإنجيل، والعقائد التي تُميِّز كنيستك عن الكنائس الأُخرى، وتعاليم الكتاب المقدَّس التي تتعرَّض للهجوم، والتي لا تحظى بشعبيَّةٍ كبيرة في الوقت الحالي في العالم بوجه عام.
9. أنشئ وشجِّع ثقافة الاتضاع
تحتاج الممارسات السابقة جميعها إلى ثقافةٍ من الاتضاع. فالتَّلمذة المسيحيَّة تعتمد على الاتضاع، وليس على الحسد.
ليس من الاتضاع أن أشاهد شخصًا آخر يخدم فأقول لنفسي: "كان بإمكاني أن أبلي بلاءً أفضل منه!"، أو في المقابل، أن أشعرَ بالإحباط، فأقول لنفسي: "لم يكن من الممكن أن أفعلَ ذلك بهذه الجودة". يفعلُ الله أمورًا صالحة مختلفةً مع أشخاص مختلفين. فإننا نشبه آلات موسيقيَّة مختلفة في فرقة موسيقيَّة واحدة. والقائد الجيِّد هو الذي يُساعد كلَّ شخصٍ على أن يجدَ مكانَه المناسب. فلمَ قد تشعر آلة النفخ بالغيرة من الآلةِ الإيقاعيَّة؟ فإنه يمكن الاستمتاع بكل آلة منهما بحسب طبيعتها المميَّزة.
يُقصَدُ بتشجيع ثقافة الاتضاع أن تعملَ على مقاومة الخوف من آراء البشر. يمكن أن نفعل ذلك، بالتأكيد، عن طريق تعلُّم مخافة الرَّب. فقبل أن يبدأ الرِّجال في كنيستي دورة التدريب الراعوي، نطلبُ منهم عادةً أن يقرأوا كتاب إد ويلش (Ed Welch) بعنوان "عندما يبدو الناس كبارًا ويبدو الله صغيرًا" . إذا كنتَ لا تعرفُ هذا الكتاب، أُوصيك بشدة بقراءته. فعلى أيِّ قائدٍ محتمَلٍ أن يتعلَّمَ كيف يرصد في داخله الخوف من آراء البشر. وواحدة من وسائل رصد ذلك الخوف في أي مُتدرِّبٍ جديدٍ هو حين يأتي إلى كنيستنا شاعرًا بالتهديد من القادة الأقوياء الآخرين. لكنني أريدُ إقامة قادة أقوياء، قدر المستطاع. ففي النهاية، إحدى الطرق التي يمكن النظر بها إلى خدمتي برمَّتها هي أنها خدمة تهدف إلى إعداد كنيستي لاستقبال الرَّاعي القادم.
يقودنا الاتضاع بوجه عام إلى التكلُّم حين يتوجَّب علينا أن نتكلَّم، والتزام الصمت حين يتوجَّب علينا أن نلتزم الصمت. كما يقودنا إلى أن نكونَ حسَّاسين وخشنين في الوقت ذاته.
وأمنيتي هي أن أرى كنيسةَ الله تنمو وتزدهر من خلال إقامة مزيد من القادة المتضعين. وأعتقدُ أنَّ اتضاعي الشخصي يُمكن أن يساهم في حدوث ذلك.
يا له من أمر مفرح أن يستخدمَنا الله لتلمذة آخرين! فلمَ لا ترغب في أن تُمضيَ حياتَك بكاملها في فعل ذلك؟
مارك ديڤير (Mark Dever) حاصل على دكتوراة من جامعة كامبريدج وراعي كنيسة كابيتول هيل المعمدانية بواشنطن العاصمة، ورئيس جمعية (9Marks). كتب عدة كتب عن صحة الكنيسة وقيادتها.