التاريخ
٢٨ مايو ٢٠٢٤الموضوع
القيادةالكاتب
مارك ديڤيرالمصدر
1. ارعَ رعيتك بهدف أن يتمتَّعوا بالمؤهِّلات الكتابيَّة
وأنسب مكان يُمكن أن تبدأ منه هو تلك المؤهِّلات التي سردها بولس في رسالتيه إلى تيموثاوس وتيطس:
"إِنِ ٱبْتَغَى أَحَدٌ ٱلْأُسْقُفِيَّةَ، فَيَشْتَهِي عَمَلًا صَالِحًا. فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ٱلْأُسْقُفُ: بِلَا لَوْمٍ، بَعْلَ ٱمْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، صَاحِيًا، عَاقِلًا، مُحْتَشِمًا، مُضِيفًا لِلْغُرَبَاءِ، صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ، غَيْرَ مُدْمِنِ ٱلْخَمْرِ، وَلَا ضَرَّابٍ، وَلَا طَامِعٍ بِٱلرِّبْحِ ٱلْقَبِيحِ، بَلْ حَلِيمًا، غَيْرَ مُخَاصِمٍ، وَلَا مُحِبٍّ لِلْمَالِ، يُدَبِّرُ بَيْتَهُ حَسَنًا، لَهُ أَوْلَادٌ فِي ٱلْخُضُوعِ بِكُلِّ وَقَارٍ. وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَا يَعْرِفُ أَنْ يُدَبِّرَ بَيْتَهُ، فَكَيْفَ يَعْتَنِي بِكَنِيسَةِ ٱللهِ؟ غَيْرَ حَدِيثِ ٱلْإِيمَانِ لِئَلَّا يَتَصَلَّفَ فَيَسْقُطَ فِي دَيْنُونَةِ إِبْلِيسَ. وَيَجِبُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لَهُ شَهَادَةٌ حَسَنَةٌ مِنَ ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ، لِئَلَّا يَسْقُطَ فِي تَعْيِيرٍ وَفَخِّ إِبْلِيسَ"
(1تيموثاوس 3: 1- 7؛ انظر أيضًا تيطس 1: 6-9).
ليس هناك ما هو خارق واستثنائي في تلك الفضائل. لكن، مثلما قال د. أ. كارسون ذات مرَّة، يفعل الشيخ ما يجب أن يفعلَه أي مؤمن عادي، لكن على نحو جيد ومميَّز. فالشيخُ نموذجٌ لكلِّ الرعيَّة في النضج. في بعض الأحيان، أسأل الشَّباب ما إذا كانوا يفكِّرون في تولِّي وظيفة شيوخ، وذلك أفعله عادةً في مرحلة مبكرة من عملية تتلمذهم، عالِمًا أنَّه لا تزال أمامهم سنوات من التأهيل والاستعداد. وهذا هو الأسلوب الذي أتَّبعه لأعرف ما إذا كانَتْ خدمةُ الكنيسة وبنيانها واحدةً من طموحاتهم أم لا. وإذا لم يكُن هذا ضمن طموحاتهم، فما السبب؟ يعني ذلك أنَّ تلك القائمة هي إحدى الأدوات الجيدة لتلمذة أيِّ مؤمن (عدا أن يكون قادرًا على التعليم).
ومع ذلك، أعتقد أنَّ غرض بولس من هاتين القائمتين لم يكن أن يعرض قائمة شاملة لِمَا يجب أن يكون الشيخ عليه. فعلى سبيل المثال، لم يقُل بولس قط إنَّه على الشيخ أن يكونَ "قارئًا أمينًا للكتاب المقدَّس"، أو أن يكون "رجلَ صلاة"، مع أنني أرى أنَّ كلَّ شيخ يجب أن يتمتَّع بهاتين السمتين. وعندما يتعلَّقُ الأمر بإقامة قادة بوجه عام، ولا سيما رجال سوف تدعمهم الكنيسة ماديًّا، أعتقد أننا يجب أن نبحث أيضًا عن مواهب قيادية فطرية. فينبغي دعم وتأهيل أولئك الرِّجال الذين يبدو أنهم يتمتعون بالقدرة على المساهمة في تقدُّم المسيحيَّة، والوصول بها إلى ذلك المكان الذي لن أتمكن البتة من الذهاب إليه، ألا وهو المستقبل بعد مماتي.
هل أُخالف بهذا يعقوب 2: 1 وأمارس المحاباة؟ لا أظن ذلك. فقد كان يعقوب يتحدَّث عن المحاباة الخاطئة للأغنياء. ومثل هذا التمييز الخاطئ بين الأشخاص لا يجعلُ من أيِّ تمييز أمرًا خاطئًا.
تذكَّرْ جيدًا أن بولس أوصى تيموثاوس بالبحث عن "أناس أمناءَ" يكونون قادرين أن "يعلِّموا آخرين" أيضًا، وكذلك عن رجال "يبتغون الأسقفية". قد يبتغي أحدهم هذا المنصب لأسبابٍ خاطئة، لكنَّ الرجل الذي لا يبتغي هذا المنصب على الإطلاق لن يكون مؤهَّلًا لتولِّيه.
في النهاية، عليك أن ترعى الرِّجال بهدف أن يتمتَّعوا بالمؤهِّلات الكتابيَّة. وهذا هو الأساس. وكلَّما أظهَرَ أحدهم تمتُّعه بمواهبَ فطريَّة، تتجلَّى في حقيقة أنَّ الآخرين يتبعونه، ربما يتوجب عليك البحث عن فرصٍ لتجعله يُمارس القيادة.
2. اتخذ وضعية المراقبة
إذا كنتَ تودُّ إقامة قادة، فإنك تحتاج أن تكون في حالة بحث دائم عن مزيدٍ من القادة. ينبغي أن تكونَ هذه هي وضعيتك الطبيعية، ولا سيَّما إذا كنتَ شيخًا. تحدث فيليب جنسون(philip jenson) ، أحد القساوسة الأنجليكان في سيدني، عن "رجالٍ يستحقُّون المراقبة ". هل يُمكنك أن تَذكُر أسماء "رجالٍ يستحقُّون المراقبة" موجودين من حولك؟
يجب أن يكون رعاة الكنائس منتهزين للفرص بشكل كبير فيما يتعلَّق بإقامة مزيد من الرُّعاة. وعلى الكنيسة بكاملها أن تتحلَّى بثقة كبيرة في أنَّ الربَّ يريد إقامة قادة جدد. بصفة شخصية، أُبقي عينَيَّ مَفتوحتَين بطرق متعددة، منها تمضية وقتٍ مع أعضاء كنيستي، والتفاعل معهم. فإنني أقف عند باب الكنيسة بعد خدمة يوم الأحد، وألاحظ الأحاديث التي تُجرَى، والتفاعلات من حولي. كذلك، أعملُ على توفير الكثير من فرص التعليم خلال الحياة الأسبوعيَّة لكنيستنا، الأمر الذي يُمكن أن يُبرز مُعلِّمين موهوبين. كذلك، تساعدني الصَّلاة اليوميَّة لأجل أسماء الأعضاء المكتوبة في قوائم العضويَّة أيضًا على تذكُّر الناس.
3. اقضِ وقتًا شخصيًّا
يُعَد قضاء الوقت مع الأشخاص جانبًا حيويًّا من عمل إقامة القادة. في بداية هذا الكتاب، ذكرتُ كيف دعا يسوع التلاميذ إلى الانضمام إليه على الجبل حتى "يكونوا معه".
للأسف، أرى اليوم رعاة الكنائس يبنون جدرانًا وأسوارًا حول أنفسهم. ومثل هؤلاء الرُّعاة لا يُمكنهم إقامةُ المزيد من القادة، على الأقلِّ بشكل مباشر. لا أقصد أنَّك يجب عليك، كراعي كنيسة، أن تكون شخصية اجتماعية، أو أن الانطوائيِّين لا يصلُحون لرعاية الكنيسة، لكنني أقصد أنَّ الرَّاعي يحتاج بالفعل أن يجد أيَّة وسيلة لقضاء الوقت مع القادة المُحتمَلين في كنيسته. يحثُّ عبرانيين 13 الكنيسة على أنْ تحتذي بالشُّيوخ. وكيف يُمكنهم فعل ذلك إذا لم يكونوا على معرفة وثيقة بقادتَهم؟ كذلك، تستلزم دعوة بولس للمؤمنين في أن يتمثَّلوا به، الأمرَ نفسَه، أي قضاءه وقتًا معهم.
ومن ثم، يحتاج الرَّاعي إلى ابتكار أساليبَ تُمكِّنه من قضاء الوقت مع أعضاء كنيسته من الشَّباب. يُمكن لتناوُل وجبات الغداء أن تكون وسيلة حيويَّة. عندما تطلب مني زوجتي الذهاب إلى متجر البقالة، عادةً ما أتصبَّبُ عرقًا بسبب خوفي من شراء السلع الخطإ (هذه مشكلتي وليست مشكلتها!)، ولذلك، عادة ما أطلب من أحد الإخوة في الكنيسة مرافقتي. وبذلك، يتسنَّى لنا قضاء بعض الوقت معًا عن عمدٍ، كما يتيح ذلك له مشاركتي في تلقِّي اللوم من زوجتي. كذلك، أُشرِكُ بعض الأشخاص معي في تحضير عظة يوم الأحد، وهو ما يتضمَّن تناوُلَنا طعام الغداء معًا، مخصِّصين هذا الوقت لممارسة العصف الذهنيِّ، من أجل الخروج بتطبيقات عملية للعظة. بالإضافة إلى ذلك، أقوم في بعض الأحيان بقراءة العظة على مسامعهم مقدَّمًا في مساء يوم السبت. هذه اللقاءات تساهم ليس فقط في تحسين العظة، لكنها تمكِّنني أيضًا من رصد الأشخاص المميَّزين، ثم العمل على تشجيعهم.
كلُّ هذه الأمثلة تتعلق بي شخصيًّا، وبخدمتي، وجدول أعمالي. حدِّد جدول الأعمال الملائم لك، وقم بإشراك الذين تتلمذهم فيه.
4. أَظهِر ثقةً
إذا أردتَ إقامة قادة، يجب أن يتَّسم توجهك العامُّ بالاستعداد لإظهار الثقة. بناءً على خبرتي في السَّفر والإقامة في أماكنَ مختلفة، أعرفُ أنَّ مثل هذا التوجه يختلفُ من مكانٍ إلى آخر، لكنني أعتقد أن هذه الثقة هي سمة من سمات المحبة. فالمحبَّةُ "تُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ" (1كورنثوس 13: 7). على الأرجح، يوجد أعضاء في كنيستك استأمنَهم الربُّ على مواهبَ عظيمة. لكن لاكتشاف ذلك، يجب أن يُظهِر لهم أحدهم قدرًا من الثقة. وهذا ما يفعلُه القادة الجيِّدون. فهم لا ينتظرون حتى يثبت الآخرون أنفسهم، ثم يتيحون لهم فرص تعليم؛ لكنهم بالأحرى يرصدون لمحةً من شيء يمكن، ببعض التَّشجيع، أن ينمو ويزدهر، فيُقدِّمون للتلميذ الشاب رصيدًا من الثقة، ثم يسمحون له بإنفاقها.
كثيرون من القادة قد يبالغون، بدوافع جيدة جدًا، في حذرهم وتحفُّظهم في هذا الشأن. فقد رأيتُ أكثرَ من مرَّةٍ بعضًا من كبار الرعاة يرفضون تأييد قيادة شخصٍ آخر. كما رأيتُ رجالًا صاروا شيوخًا غير متفرِّغين، ثمَّ بعدما ارتقوا إلى هذا المنصب، أزاحوا الدَّرَج جانبًا، بحيث لم يسمحوا لأحد بعدهم بالصعود، طالبين من الشيوخ المرشَّحين أمورًا مبالَغ فيها! قطعًا، ستَرتكِبُ بعضَ الأخطاء. فلا يمكنك، أو يمكنني، أن نكون كاملين. لكنني حتمًا أُخاطر في القيادة، لأن الأمر يستحقُّ ذلك. فالمسيح سوف يبني كنيسته، والله هو صاحب السِّيادة؛ ومن ثَمَّ، علينا ألا نتردَّد في خوض التحدي، والمخاطرة قليلًا.
على أعضاء الكنائس، من جانبهم، أن يتحلَّوا بالصبر مع القادة الجدد عندما يرتكبون أخطاء بسبب افتقارهم إلى الخبرة. عادةً ما أطلبُ إلى الكنائس ألَّا يخافوا من ترشيح شبلٍ صغير. فربَّما يخدشُ الأرضيَّات، أو يتلفُ بعضَ الأثاث، لكن إذا تحلَّيت بالصبر معه، سيصبح لديك أسدٌ يُحبُّك مدى الحياة.
5. فوِّض المسؤوليَّات
هذه الفكرة وثيقة الصلة بالفكرة السَّابقة. فكيف يُمكنك إظهار الثقة؟ بتفويض الآخرين ببعض المسؤوليَّات ومنحهم الفرص. يتألَّف هذا من عدة عناصر:
امنح الآخرين فرصًا للقيادة: احتفظْ في عقلك بقائمةٍ للرجال في كنيستك الذين ترى أنَّهم قد يصبحون مُعلِّمين أكفاء، أو قادة للصَّلاة الجماعية أو الخدمات، أو مُعلِّمين في مدارس الأحد، وقم باختبارهم عن طريق تكليفهم بمسؤوليَّات. مرة أخرى، عليك أن تدرك جيدًا أنَّ بعضَ رعاة الكنائس يشعرون بواجبٍ تُجاه رعيَّتهم، ويسعون إلى المبالغة في حمايتهم؛ لكنني في المقابل أقول لنفسي: "يا مارك، الروح القدس هو الذي أقامك أسقفًا في كنيستك" (انظر أعمال الرسل 20: 28). ويمكنني أن أقول لك، يا صديقي، إنَّك حين تموت، ستكون الكنيسة بخير! وإذا كنتَ تَودُّ أن تكون الكنيسة في حال أفضل، عليك أن ترخي قبضتك قليلًا في الحاضر، ساعيًا عن طريق التفويض إلى إعداد قادةٍ آخرين. فيجب ألا يكونَ هدفك بناء ملكوتك الشخصي، بل عليك أن تفوِّض الآخرين، متيحًا لهم فرصًا للقيادة والتعليم.
اسمح لنفسك بخسارة بعض الأصوات والانهزام في المناقشات: يُقصَد بتفويض السُّلطة أن تتنازَل عن قدرٍ من سيطرتك على الأمور. وإذا أردتَ فعل ذلك، عليك أن تكون مستعدًّا أن تخسر بعض الأصوات، وألا يكون لك دائمًا القولَ الفَصْل. فليس من الضروري أن يسيرَ كلُّ شيءٍ على هواك. فإذا لم تسمحْ قط لآخرين بأن يقودوا بطريقةٍ مخالفة لوجهة نظرك، فإنك في حقيقة الأمر لا تسمح لهم بأن يقودوا! أجل، قد تشعر بخيبة أمل حين تخسر في هذه المسألة أو تلك، لكنَّ مكسب تشجيع قادة آخرين على القيادة إنما هو استثمار أفضل طويل الأجل (ناهيك عن أنك ستُبارك الكنيسة بحكمة هؤلاء الأشخاص).
تعزيز احترام القادة الآخرين: منذ بضع سنواتٍ، كنتُ واقفًا مع الرَّاعي المساعد على المنبر في الجزء الأمامي من الكنيسة، قبل بَدء اجتماع دراسة الكتاب المقدَّس، الذي كان هو على وشك أن يقوده. وفي أثناء حديثنا ومزاحنا معًا، ربَّتُّ على رأسَه (هو أقصر منِّي في القامة). وفي الحال، أخذني جانبًا وقال لي، بلُطفٍ لكن بحزمٍ في الآن ذاته: "مارك، توقَّف عن فعل ذلك. عليك ألا تُعاملني بهذه الطريقة أمام أعضاء الكنيسة، إذا أردتَ أن يحترموني". وما أن قال ذلك، اتضح الأمرُ أمامي جليًّا. فقطعًا، كان ينبغي أن أتعامل معه في العلن بصفته قائدًا، وأن أعمل على تعزيز الاحترام من نحوه في الكنيسة.
مارك ديڤير (Mark Dever) حاصل على دكتوراة من جامعة كامبريدج وراعي كنيسة كابيتول هيل المعمدانية بواشنطن العاصمة، ورئيس جمعية (9Marks). كتب عدة كتب عن صحة الكنيسة وقيادتها.