الذهاب بسلطان المسيح

التاريخ

١٣ مايو ٢٠٢٠

الموضوع

الإرسالية

الكاتب

پول واشر

المصدر

فَتَقَدَّمَ يَسُوعُ وَكَلَّمَهُمْ قَائِلاً:«دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ،فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ.وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ»(متى 28: 18-20).

باستثناء ادعاء المسيح الألوهية، يمكن اعتبار الإعلان أعلاه أبرز الإعلانات التي صرَّح بها المسيح، لأنه يَدَّعي فيه سلطانًا مطلقًا على كل شيء في دائرة الخليقة من دون تحديد أو تقييد. لا شيء على الإطلاق يتجاوز حُكمه السيادي أو يعلو عليه.

إن سلطان المسيح هو أساس ومصدرسلطان الكنيسة لتنفيذ الإرسالية العظمى بين الأمم. من أجل هذا، يلزم أن تستوعب الكنيسة جيدًا كلًّا من سلطان المسيح وآثاره واسعة النطاق على المساعي الإرسالية.
مدى سلطان المسيح

ببساطة،من المُحال أن نبالغ في تقدير الطبيعة غير المحدودة للسلطان الحالي للمسيح. وبغض النظر عن وفرة المصطلحات المستخدمة وفيض التشديدات المؤثِّرة، فإن مدى مُلك المسيح لا يمكن المغالاة فيه. حتى الوصف الرائع الذي وصف به الرسول بولس تمجيد المسيح لا يبالغ في سرد الحقيقة التي يريد إبلاغها:
«وَأَجْلَسَهُ (الله) عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ،فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ، وَكُلِّ اسْمٍ يُسَمَّى لَيْسَ فِي هذَا الدَّهْرِ فَقَطْ بَلْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا،وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ»(أفسس 1: 20-22)

إن سيادة المسيح المطلقة على السماء والأرض يؤكِّدها ليس فقط العهد الجديد، بل ونبوات العهد القديم التي تتنبأ بمجيئه. فقبل خمسمئة عام من تجسد المسيح، تكلَّم النبي دانيآل عن "ابن إنسانٍ" سيتسلَّم سلطانًا دون عوائق على جميع أمم الأرض وشعوبها:
«كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ.فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ.»(دانيآل 7: 13-14)

نجد مثالًا توضيحيًّا رائعًا لهذا النص في حياة يوسف، الذي خانه إخوته، وباعوه عبدًا، وسُجن ظلمًا من أجل جريمة لم يرتكبها. ورغم ذلك، وفي الوقت المعيَّن من الله، استُدعي للمثول أمام أقوى حاكم في العالم،ورُفِعَ شأنه ليكون عن يمينه:
وَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «أَنَا فِرْعَوْنُ. فَبِدُونِكَ لاَ يَرْفَعُ إِنْسَانٌ يَدَهُ وَلاَ رِجْلَهُ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ».(تكوين 41: 44)
هذا التمجيد ليوسف على كل أرض مصر لم يكن إلا رمز ضئيل أو ظل لتمجيد المسيح على الكون كله. فكما أُخذ يوسف من السجن ورُفع إلى يمين فرعون، هكذا أٌقيم المسيح من بين الأموات وجلس عن يمين الله. وكما أُعطي يوسف سلطانًا على كل مصر، هكذا أُعطي المسيح سلطانًا على كل الخليقة حتى بدون إذنه لا أحد يستطيع أن يحرِّك يده أو رِجله في كل الكون!
الذهاب بسلطان المسيح

لحقيقة ادِّعاء المسيح السلطان المطلق مغزى كبير بالنسبة لإتمام الكنيسة للإرسالية العظمى. ويتجلى هذا بشكل خاص في ضوء حقيقتين لا يمكن إنكارهما: الطبيعة الهائلة للمهمة، وضعف الأفراد المدعوين للاضطلاع بها. نقرأ في الآيات التي تسبق إعلان المسيح لسلطانه مباشرة ما يلي:
«وَأَمَّا الأَحَدَ عَشَرَ تِلْمِيذًا فَانْطَلَقُوا إِلَى الْجَلِيلِ إِلَى الْجَبَلِ، حَيْثُ أَمَرَهُمْ يَسُوعُ.وَلَمَّا رَأَوْهُ سَجَدُوا لَهُ، وَلكِنَّ بَعْضَهُمْ شَكُّوا.»(متى 28: 16-17)
يكشف النص أعلاه عن جماعة من الرجال يبدو أنهم الأقل احتمالًا أن يُغيِّروا العالم. لم يكونوا رجالًا عظماء في الإيمان أو البأس. ومثلنا، شكَّلوا خليطًا من الإيمان والشك، والطاعة والتردد، والرغبة والخوف. ولم يكونوا المادة الخام التي يمكن أن تصنع أسطورة! ورغم ذلك، ميَّز يسوع ضعفهم وذهب للقائهم. فواجه شكوكهم ومخاوفهم بإعلان عن سلطانه المطلق على كل شيء دون استثناء، أو حد، أو قيد. في الملاحظات التالية، صوَّر ديفيد براون وجون تراب David Brown وJohn Trappببراعة هذا التفاعل:
«ماذا كان المفترض أن تكون المشاعر التي أثارها مثل هذا التكليف! "أنحن من سيربحون العالم لك أنت يا سيِّد، أنت الذي استطعت بشق النفس أن تقهر هواجسنا، أنحن، صيادي السمك الجليليين، عديمي العلم والوسائل والتأثير حتى على أقل المخلوقات شأنًا؟ كلا، يا رب، لا تسخر منا." أنا لا أسخر منكم، ولا أرسلكم إلى حرب على عهدتكم، فقد:«دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ، فَاذْهَبُوا...وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ. فَاذْهَبُوا» (The Four Gospels, p. 134).

«اذْهَبْ بِقُوَّتِكَ هذِهِ، كما فعل جدعون ضد المديانيين» (قضاة 7: 13)، ومع أنك لست إلا رغيف خبز شعير، جاف وجدير بالازدراء، لكنك ستقلب معسكر العالم، نعم، حصون الشيطان. ورغم أن ما في يديك مجرد مشاعل وجرار فارغة، لكنك ستنجز أمورًا عظيمة» (John Trapp, Commentary on the New Testament, Matthew 28:18).

في النهاية، حقق إعلان يسوع عن سلطانه الأعلى تأثيره المنشود. فبسلطانه، سرعان ما صار التلاميذ بشجاعتهم وإيمانهم المادة الخام لصنع الأسطورة! ففي جيل واحد فقط، قهروا ممالك و"قلبوا العالم رأسًا على عقب" (أعمال 17: 6).

هذا السلطان نفسه الذي أعان الكنيسة على اجتياز عقبات لا تُذلَّل لألفي عام على الأقل، لم يكف عن فعل ذلك إلى اليوم بالقوة نفسها دون نقصان. إن أرادت الكنيسة في الجيل الحالي أن تتمم مهمة توصيل الإنجيل لكل خليقة تحت السماء، عليها من جديد أن تتكل دون تحفظ على صولجان المسيح. وإن كان مرسَل اليوم يريد بحق أن يكون أداة لتقدُّم ملكوت المسيح في كل العالم، عليه أن يطرح جانبًا كل ثقة في الجسد ويجد قوَّته وجسارته في السلطان المطلق لذاك الذي يرسله وفي قوَّته التي لا تنضب. حين نقارن القوة الخبيثة لهذا العصر الساقط بضعفنا، تبدو الإرسالية العظمى هدفًا عديم الجدوى تمامًا. ولكن حين ننظر إلى المسيح المتمجِّد، الذي خرج غالبًا ولكي يغلب، نكتسب القدرة على الإيمان بأن غير المستطاع عند البشر مستطاع عند الله!

ماذا يعني إذن أن كل سلطان في السماء وعلى الأرض قد دُفع إلى المسيح؟ إنه يعني أن «الذَّاهِبُ ذَهَابًا بِالْبُكَاءِ حَامِلاً مِبْذَرَ الزَّرْعِ، مَجِيئًا يَجِيءُ بِالتَّرَنُّمِ حَامِلاً حُزَمَهُ» (مزمور 126: 6). إنه يعني أن عند مجيء ربِّنا ثانية، سيكون هناك«جَمْعٌ كَثِيرٌ (لن يستطيع) أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ، مِنْ كُلِّ الأُمَمِ وَالْقَبَائِلِ وَالشُّعُوبِ وَالأَلْسِنَةِ، وَاقِفُونَ أَمَامَ الْعَرْشِ وَأَمَامَ الْخَرُوفِ، مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ وَفِي أَيْدِيهِمْ سَعَفُ النَّخْلِوَهُمْ يَصْرُخُونَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ:«الْخَلاَصُ لإِلهِنَا الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَلِلْخَرُوفِ». (رؤيا 7: 9-10).
الذهاب تحت سلطان المسيح

معظم العاملين في خدمة الإرساليات سيتفقون على كل ما قيل حتى الآن عن سلطان المسيح وتأثيراته على الإرساليات العالمية. ولكن، كثيرًا ما لا ندرك أنه لكي نذهب "بـ" سلطان المسيح، علينا أيضًا أن نذهب "تحت" سلطانه. بعبارة أخرى، لا بد لكل من محتوى تعليمنا عن الإرساليات ومنهجيته أن ينبعا من دراستنا الدقيقة والمثابرة للكتاب المقدس. ليس لدينا الحق أو المبرِّر لتولي المأمورية العظمى وفقًا لما يبدو صحيحًا في أعيننا (قضاة 17: 6؛ 21: 25). لا بد لعقيدتنا أن تكون كتابية تمامًا وليست نتاج ثقافتنا أو حكمتها المزعومة. إن منهجيتنا أو تخطيطاتنا للإرسالية لا بدأن تكون نابعة من الكتاب المقدس نفسه وبالعناية والدقة نفسها مثل عقيدتنا. يجب علينا ألا نوظِّف وسائل غير كتابية لنشر الحق الكتابي أو لتحقيق هدف كتابي.

عندما كان موسى على وشك أن يبني خيمة الاجتماع، حذَّره الله تحذيرًا شديدًا، قائلًا: «وَانْظُرْ فَاصْنَعْهَا عَلَى مِثَالِهَا الَّذِي أُظْهِرَ لَكَ فِي الْجَبَلِ»(عبرانيين 8: 5؛ خروج 25: 40). والآن نَعلم أن «كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا، حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ»(رومية 15: 4)؛ ومن ثم يمكننا أن نستنتج أن القدر نفسه من العناية الذي نولي في اتباع نموذج الله ينبغي أن نوليه لما يتعلق بأعظم مسعى لله، ألا وهو بناء كنيسته من خلال الإرسالية العظمى. وعلى غرار موسى، لا نملك الحق في تغيير التصميم الإلهي أو تبديله بتصميم من عندنا. إن رفض أو حتى تجاهل النموذج الإلهي من أجل تقدُّم الإرسالية العظمى سيؤول في النهاية إلى الفشل. يجب ألا نستسلم البتة للنفعية، وعلينا ألا نقبل البتة بمنهجية معيَّنة للإرساليات لمجرد أنها تبدو مبشِّرة بالنجاح. لا بد لنا من ربط أنفسنا بكلمة اللهفي كلٍّ من عقيدتنا واستراتيجيتنا!

أعطى الله الكنيسة وخدامها الكتاب المقدس «لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ» (2تيموثاوس 3: 16-17). لن يعرف «كَيْفَ يَجِبُ أَنْ (يَتَصَرَّفَ المرء) فِي بَيْتِ اللهِ، الَّذِي هُوَ كَنِيسَةُ اللهِ الْحَيِّ، عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ» إلا من خلال كلمة الله(1تيموثاوس 3: 15). لا أهمية تُذكر في كل مساعينا الإرسالية للإيمان بخلو الكتاب المقدس من الخطأ لو لم نكن نؤمن أيضًا بكفايته. علينا أن نتشبَّث بقوة بحقيقة أن لدينا كل ما نحتاج إليه في كلمة الله المكتوبة لتعليم الأمم وإنارة الطريق لخطواتنا (مزمور 119: 105؛ 1تسالونيكي 4: 1).

علينا أن نقرر، من أي مصدر سنستقي كلًّا من تعليمنا ومنهجيتنا. على غرار موسى، لا بد أن نحرص أن نفعل كل شيء وفقًا للنمط المبيَّن لنا في الكتاب المقدس. علينا أن نرفض أعمال الجسد وتخطيطاته، ونفتش الكتاب المقدس لنكتشف محتوى الإرساليات ومنهجيتها. كلما وثقنا في قوة الجسد، قلَّت قدرتنا على رؤية الله (إرميا 17: 5-8). علينا أن نلقي عنَّا دِرْعَ شاول وأسلحته،ونلتقط حجارة الإنجيل الملساء التي لطالما تعرَّضت للإهمال (1صموئيل 17: 38-40). إنها الطريقة الوحيدة لقتل ذلك العملاق الذي يقاومنا والفوز في معركة الإرساليات العالمية هذه.

لقراءة المقال باللغة الإنجليزية:
https://heartcrymissionary.com/theological-forum/going-out-in-christs-authority/
مشاركة المقالة
عن الكاتب
پول واشر

خدم پول واشر كمرسل في پيرو مدّة عشر سنوات، والتي أسَّس خلالها جمعية هارت كراي الإرسالية لدعم زارعي الكنائس في الپيرو. يخدم پول حاليًّا كأحد العاملين في جمعية هارت كراي لدى پول وزوجته كارو ثلاثة أبناء: إيان، وإيڤان، وروان.

المزيد من المقالات