سنتأمل في هذا المقال في حقيقتين مهمتين تتعلقان بالإرسالية العظمى. أولًا، سننظر في المكانة الأوَّلية للإنجيل في كل المساعي الإرسالية. لكي "نعمل" الإرساليات على نحو صحيح، علينا إدراك أهمية الإنجيل العظمى، ونسعى إلى فهم محتوياته، وندرِّب أنفسنا على إعلانه إلى الآخرين بوضوح. ثانيًا، سننظر في الطبيعة اللاهوتية أو العقائدية للإرساليات. إن الإرسالية العظمى هي في المقام الأول مسعى لاهوتي أو عقائدي. وهي لا تتعلق بإرسال مرسلين، ولكن بإرسال الحق الإلهي بواسطة أدوات بشرية. من أجل هذا فإن المرسلين الذين نرسلهم لا بد أن يجتهدوا أَنْ يُقِيْمُوا أنفُسَهُم للهِ مُزَكِّيْنَ، عَامِلين لاَ يُخْزَوْا، مُفَصِّلِّين كَلِمَةَ الْحَقِّ بِالاسْتِقَامَةِ.(2تيموثاوس 2: 15).
مكانة الإنجيل الأوَّلية
تتعلق الإرسالية العظمى بتبليغ إنجيل يسوع المسيح لآخرين وبناء أولئك الذين يؤمنون بواسطة التعليم المستمر من الإنجيل. أَعْلَنَ الرسول بولس أن الإنجيل ليس فقط قوة الله للخلاص للضالين (رومية 1: 16)، لكنه أيضًا السر العظيم الذي يقود إلى التقوى الحقيقية في حياة القديس (1تيموثاوس 3: 16). لا وجود للإرسالية العظمى بعيدًا عن الإنجيل؛ وفي الواقع لا وجود للمسيحية بعيدًا عنه! على ضوء هذا، علينا أن نسأل أنفسنا هذا السؤال: "هل نحن فاهمون الإنجيل حقًا؟"
إنجيل يسوع المسيح هو الكنز الأعظم بين كل الكنوز التي أُعطيت للكنيسة وللمؤمنين الأفراد. إنه ليس "رسالة" بين رسائل كثيرة، بل هو "الرسالة" التي تفوقها جميعًا. إنه قوة الله للخلاص وأعظم إعلان عن حكمة الله متعددة الأشكال للبشر والملائكة (رومية 1: 16؛ أفسس 3: 10). من أجل هذا أعطى الرسول بولس الإنجيل "المكانة الأولى" في كرازته، وسعى بكل قوَّته إلى المناداة به بوضوح، حتى أنه مضى أبعد من ذلك ليعلن لعنة على كل من يحاول تحريف حقائقه(1كورنثوس 15: 3؛ كولوسي 4: 4؛ غلاطية 1: 8-9).
كل جيل من المؤمنين هو وكيل على رسالة الإنجيل ومدعو بالروح القدس إلى حراسة هذا الكنز الذي استؤمِنَ عليه (2تيموثاوس 1: 14). إن كنا نريد أن نكون وكلاء أمناء، يجب أن نتشبَّع بدراسة الإنجيل، ونبذل جهدًا كبيرًا لفهم حقائقه (1تيموثاوس 4: 15)، ونتعهَّد بحراسة محتوياته. وبقيامنا بهذا، نُوَفِّرُ الخلاص لأنفسنا ولأولئك الذين يسمعوننا (1تيموثاوس 4: 16).
إن كلمة "إنجيل" كما هو معلوم عمومًا، تأتي من الكلمة اليونانية euangélion، وترجمتها الملائمة "بشارة". إن الإنجيل من جهة، موجود في كل صفحة من صفحات الكتاب المقدس؛ لكن من جهة أخرى، يشير مصطلح "الإنجيل" إلى رسالة محددة جدًا، ألا وهي الخلاص الذي تحقَّق لأناس ساقطين من خلال حياة، وموت، وقيامة، وصعود يسوع المسيح، ابن الله.
بحسب مسرَّة الآب الصالحة (أعمال 2: 23)، تَرَكَ ابنُ الله الأزلي، الذي هو مساوٍ للآب والتعبير الصادق عن طبيعته (فيلبي 2: 6؛ عبرانيين 1: 3)، مجدَ السماء طوعًا، وحُبِلَ به من الروح القدس في بطن عذراء، ووُلِدَ الله-الإنسان، يسوع الناصري (فيلبي 2: 7؛ لوقا 1: 35). وكإنسانٍ عاش على هذه الأرض طائعًا بالتمام لناموس الله (عبرانيين 4: 15). وفي ملء الزمان، رفضه الناس وصلبوه. وعلى الصليب، حمل خطايا الإنسان، وقاسى غضب الله، ومات بدلًا من الإنسان. وفي اليوم الثالث، أُقيم من بين الأموات. وهذه القيامة هي الإعلان الإلهي أن الآب قَبِلَ موتَ ابنه ذبيحة عن الخطية: لقد سُدِّد جزاء عصيان الإنسان، واستُرضيت مطالب العدل الإلهي، وسُكِّنَ غضب الله (1بطرس 2: 24؛ 1بطرس 3: 18؛ إشعياء 53: 10). وبعد أربعين يومًا من قيامته صعد ابن الله إلى السماء؛ وجلس عن يمين الآب؛ وأُعطي مجدًا، وكرامة، وسلطانًا فوق الكل (عبرانيين 1: 3؛ متى 28: 18؛ دانيآل 7: 13-14). وهو هناك في محضر الله، يمثِّل شعبه، ويقدِّم طلبات إلى الله نيابة عنهم (لوقا 24: 51؛ فيلبي 2: 9-11؛ عبرانيين 1: 3؛ عبرانيين 7: 25). كل من يعترفون بحالتهم الأثيمة، والعاجزة، ويلقون بأنفسهم على المسيح سيُغفر لهم، ويُعلنون أبرارًا، ويُصالحون مع الله (مرقس 1: 15؛ رومية 10: 9؛ فيلبي 3: 3). هذا هو إنجيل الله وإنجيل يسوع المسيح ابنه.
إحدى أكبر جرائم هذا الجيل من المسيحيين هي إهمال الإنجيل، ومن هذا الإهمال تنشأ كل العلل الأخرى التي أصابتنا.
ليس العالم الضال "متصلِّب القلب من جهة الإنجيل" بقدر ما هو "جاهلٌ به"، لأن كثيرين ممَّن يكرزون بالإنجيل هم أيضًا جاهلون بأهم حقائقه الأساسية. إن الموضوعات الرئيسية التي تشكِّل جوهر الإنجيل نفسه غائبة عن منابرنا سواء في الوطن أو في حقل الإرسالية، وهي: عدل الله، وفساد الإنسان الجذري، وكفارة الدم، وطبيعة الاهتداء (الإيمان بالمسيح)، والأساس الكتابي ليقين الخلاص. في حالات كثيرة، قُلِّصت رسالة الإنجيل إلى بضعة تصريحات عقائدية، وصار الاهتداء مجرد قرار بشري، وبات تأكيد نوال الخلاص يُعطى إلى أي شخص يصلي صلاة الخاطئ. إن هذه لجريمة شنعاء.
المرسلون هم في المقام الأول "حاملو الإنجيل". ومن ثم، لا بد أن يجعلوا أولويتهم أن يعرفوا الإنجيل وأن يعرفوا كيف يكرزون به على نحو صحيح للآخرين. يحمل المرسلون معهم بذرة الإنجيل التي ستنمو لتصير جذرًا سوف يمتد وينتشر وينبت أغصانًا تحمل ثمارًا بين الناس الذين أرسِلوا إليهم. من المرعب أن نفكِّر أن البذرة التي نحملها قد لا تكون نقية؛وبدلًا من ثمر الحياةتنتج ثمر الموت!
إن وكالة المرسَل على الإنجيل لها أهمية قصوى. لذلك، قبل أن ننطلق بغيرة، علينا أن نحرص أن نكون أولًا متأصِّلين في الحق! هل نعرف الإنجيل بحق، أم أننا ببساطة تعلَّمنا بعض منهجيات للكرازة؟ كثيرون اليوم يرون الإنجيل باعتباره مقدمة تمهيدية عن المسيحية يمكن تعلُّمها في بضع ساعات أو أيام. تكشف مثل هذه النظرة جهلًا بالإنجيل. إن الإنجيل هو أعظم إعلانات الله للإنسان وأعمقها! لن يكون أعظم العقول قد وصل بعد إلى سفح هذا الجبل الشاهق الذي هو الإيمان المسيحي، ولو قضى حياته كلها في الدراسة! في الحقيقة، سيظل أمامنا الكثير لنتعلمه عن الإنجيل، حتى بعد أن نكون قضينا آلاف الأبديات!
رغم مخاطرتي بأن أبدو بالغ القسوة، لا بد من أن أذكر ما يلي: لا شأن للشخص الذي لم يتعلَّم من إنجيل يسوع المسيح بحقل الإرسالية. المرسل الذي لديه نظرة سطحية للإنجيل يسبِّب ضررًا شديدًا للإرسالية العظمى.
مسعى لاهوتي
الطبيعة التعليمية للإرسالية العظمى والأهمية القصوى للفهم الصحيح لمحتويات الإنجيل يقودانا إلى الموضوع التالي: الإرساليات مسعى لاهوتي أو عقائدي. كما ذكرنا سابقًا، لا تتعلق الإرسالية العظمى بإرسال مرسلين، بل تتعلق بإرسال الحق الإلهي بواسطة مرسلين. أَمَرَ يسوع الكنيسة بأن تتلمِذ بالذهاب، والتعميد، والتعليم! لذلك، كل عملية الإرسال وكل الأنشطة الإرسالية في العالم لا قيمة تُذكر لها ما لم تكن نتيجتها النهائية نشر الحق الكتابي، الذي يؤدي إلى تغيير حياة الناس بحسب مشيئة الله المعلَنة.
كان اللاهوت في العصور الماضية يعتبر مَلِكَ كل العلوم، والانشغال الأهم والأكثر قيمة للعقل البشري. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، مرَّ علم اللاهوت وأي شيء له علاقة بالعقيدة بأوقات عصيبة. فالعقيدة لم تُهمل فحسب، بل وتعرَّضت للازدراء في كثير من الأحيان، وليس فقط من جانب الليبراليين، بل وأيضًا من جانب أولئك الذين يدَّعون أنهم محافظون مؤمنون بالكتاب المقدس.
علاوة على ذلك، لم يَعُد يُنظر للعقيدة باعتبارها أساس الوحدة، بل السبب الكبير لانقسام الكنيسة والسُم الذي يضع المؤمنين في خلاف فيما بينهم. أخيرًا، باتت العقيدة مثيرة لامتعاض بعض المرسلين، الذين يرونها خطرًا ما لم ترشَّح أولًا بمصفاة "مراعاة الحساسيات الثقافية".
كيف وصل بنا الحال إلى هذا؟ الإجابة بدائية وقديمة. الحية القديمة التي طَرحت سؤالًا على والدَيْنا الأوَّلَيْن: "أحقًا قال الله؟" إنها تفعل الشيء نفسه من جديد (تكوين 3: 1). لقد شكَّل الشيطان ثقافتنا وجعلها ليس فقط متمردة على الحق، بل وأيضًا تنكر أن الحق يمكن أن يُعرف. ومع ذلك، فإن أساليبه في الخداع لم تتوقف عند حدود الثقافة الدنيوية. لقد انتقل الوباء إلى أرض العالم المسيحي ولوَّث حقولنا أيضًا. لقد ظلت الكنيسة لوقت طويل جدًا ترعى على أعشاب النسبية المميتة، التي تنكر إمكانية وجود حق مطلق، وتقتات من الفلسفة الإنسانية، التي جعلت من رأي الإنسان والثقافة معيارًا لكل شيء. أضف إلى هذا المزيج وجهة نظر التسامح السخيفة حقًا، وستحصل على موقفٍ يستهزئ بالإيمان بالحق وإعلان الحق، معتبرًا ذلك حماقة على أفضل تقدير وعمل غير أخلاقي على أسوأ تقدير.
كل ما ذكرناه أعلاه قد أصاب بالتآكل عقل المسيحية وقلبها ومساعيها الإرسالية. لقد ظللنا نتأثَّر سلبيًّا بالفكر الشاذ لعصرنا فنخرنا الأساس الذي كان تحت أقدامنا. وبإنكارنا لأهمية العقيدة، صار نشاطنا في الإرساليات ضربًا من التناقض، بل أمرًا منافيًا للعقل. في الفقرات التالية بضعة من أوضح الأمثلة:
أولًا، صار شائعًا أن العقيدة أو علم اللاهوت يقسِّم المؤمنين ويدمِّر العواطف القلبية العميقة. ولكن، لم يدرك أولئك المؤمنون بمثل هذه الآراء أن "العقيدة" هي ببساطة كلمة مرادفة للتعليم، وأن "اللاهوت" يعني حرفيًّا دراسة الله. أنُقصي فرعَي المعرفة هذين لأن ليس الجميع متفقين عليهما؟ علاوة على ذلك، علينا أن ندرك أن جميع الناس لاهوتيين (أي أن لكل فرد رأي عن الله). ما في الأمر هو أن البعض أكثر اجتهادًا من غيره في دراسة الكتاب المقدس والتخلي عن آرائه الشخصية لصالح الحق الإلهي. أخيرًا، هل من الممكن فعلًا أن يكون الفهم الجيد لشخص الله، وعمله، ومشيئته مدمِّرًا للنفس وعدوًّا للعاطفة القلبية العميقة؟ ليس اللاهوت والعقيدة هما المشكلة؛ فالمشكلة تكمن في اللاهوتي السيء وفكره اللاهوتي الرديء!
ثانيًا، صار شائعًا أن المؤمنين يجب أن يضعوا جانبًا عقيدتهم ويتحدوا حول إيمانهم المشترك بالمسيح. ولكن، الواقع القاسي هو وجود نُسخ كثيرة مختلفة من الكرازة بالمسيح في الأرض اليوم بواسطة أولئك المدَّعين أنهم أتباعه. كيف عسانا أن نفرِّق بين المؤمن الحقيقي وجموع المُسحاء الكذبة الكثيرة، إلا من خلال الدراسة الدقيقة للكتاب المقدس وتطبيق عقيدته (تعاليمه) بأمانة؟هل سنكرز للأمم بمسيح شديد العمومية وغامض حتى يمتلئ العالم والكنيسة بآراء عن شخصه وعمله لا حصر لها ومتعارضة فيما بينها. لا يمكن للوحدة أن تؤسَّس منطقيًّا على اعترافنا العام بمسيحٍ غير واضحٍ أو غير محدَّدٍ، وآراء متباينة فيما يتعلق بأساسيات الإيمان المسيحي.
ثالثًا، صار شائعًا أن المؤمنين يجب أن يضعوا جانبًا لاهوتهم ويتحدوا حول قضية مشتركة هي الإرسالية العظمى. ولكن الإرسالية العظمى هي في المقام الأول مسعى لاهوتي. وأن نطرح جانبًا لاهوتنا لكي ندفع المسعى اللاهوتي إلى الأمام هو بمثابة انتحار منطقي ومدمِّر للاثنين. من غير المعقول أن نظن أن الإرسالية العظمى يمكن أن تكون الخيط الذي يربط معًا أفرادًا مختلفين في عقائد كبرى. لا بد للوحدة أن تؤسَّس على رؤية مشتركة لمن هو المسيح وما هي تعاليمه.
رابعًا، صار شائعًا أن المؤمنين عليهم أن ينشغلوا فقط بالاتفاق على العقائد الكبرى ولا يتعبوا أنفسهم في أمور صغيرة. هناك بعض الحقيقة في هذه العبارة الشهيرة، ولكن يكمن فيها أيضًا شيء من الخطورة.تتعلق إحدى أخطر المشكلات بالاتجاه الحالي في المسيحية الذي يقلِّل على نحو متزايد من أهمية الحقائق المطلقة. وفيما يستمر هذا الاتجاه، يُنزل المسيحيون المزيد والمزيد من العقائد إلى المرتبة "الأدنى". فالعقائد التي كانت قبلًا تُعتنق باعتبارها مبادئ مطلقة لم تعد بعد تُعتبر مستحقة للجدل. وتتعلق مشكلة أخرى بالواقع العملي المرتبط بالخدمة في الحياة الفعلية. إن عدم اهتمامك بكل شيء إلا المبادئ المطلقة الكبرى يعمل جيدًا فقط لو كنت تتأمل من برجك العاجي أو تتفلسف مع زملائك في معهد الدراسات اللاهوتية. ولكن حين تبدأ زرع كنيسة، أو حين تبدأ تلمذة أشخاص واقعيين لديهم أسئلة واقعية، فتلك المسائل العقائدية الصغيرة تصبح ذات أهمية كبيرة للغاية وتتطلب تعريفًا.
أخيرًا، صارت لدى الهيئات الإرسالية ممارسة شائعة وهي أن يقلِّصوا بيانهم العقيدي إلى القاسم المشترك الأدنى بهدف ضم أكبر عدد ممكن من المرشَّحين والداعمين. وفي معظم الحالات، يُعمل هذا لدوافع ملائمة (على سبيل المثال، من أجل دفع الإرسالية العظمى إلى الأمام بشكل أسرع). غير أن ذلك يعتبر استسلامًا سافرًا لمذهب النفعية، ويؤدي في النهاية إلى نتائج عكسية. شرح والتر شانتريWalter Chantryهذه الفكرة على أفضل نحو في كتابه Today’s Gospel: Authentic or Syntheticأي إنجيل اليوم: حقيقي أم اصطناعي:
"من يؤمنون بكلمة الله صاروا يُمسكون (ينتهزون) الحلول السطحية ذاتها التي يعتنقها المذهب الليبرالي. وصارت النسبية، والجدارة بالاحترام (سواء أكانت فكرية أم اجتماعية)، وبخاصة الوحدة، هي غاية شعب الله على أمل أن تبث هذه الأفكار الطاقة في الكنيسة الضعيفة. "فقط إن اتَّحد المؤمنون بالكتاب المقدس معًا، سيجلس العالم وينصت"، هكذا تظن الكنيسة." هيا ندمج مجالس إدارة إرسالياتنا، ونوحِّد موظَّفينا ونجمع أموالنا في صندوق مشترك. لنشترك معًا في مشروعات كرازية عملاقة. إن انضم كل إنجيلي إلى هيئة مشتركة، يمكننا أن نحقق عمقًا أكبر في الكرازة." ومن ثم تصبح الوحدة المؤسسية هي غاية كنائس الإنجيل. بقبولنا النظرية التي تقول إن الوحدة هامة جدًا للكرازة العالمية، فهذا يعني أن على كلٍّ من الكنيسة والفرد أن يقلِّلا من تقديرهما لقيمة الحق. في مؤتمر كبير عن الكرازة، علينا ألا نُصر على حق كلمة الله ما دام سيسيء إلى أي أخ من الإخوة الإنجيليين. ومن ثم، علينا أن نجد الحد الأدنى من القواسم المشتركة الذي يمكن لكل المسيحيين المولودين ثانية أن يعتنقوه. أما بقية الكتاب المقدس فيمكن أن نُسمِّيه "غير أساسي" للإرساليات. وفي نهاية المطاف، الوحدة (بين المؤمنين) هي أمر أساسي أكثر من الدقة العقائدية. لهذا السبب تحديدًا باتت هيئات إرسالية غير راغبة في فحص المشكلة الأصلية في الوعظ والكرازة. فمجالس إدارة الهيئات الإرسالية باتوا مترددين في الإجابة عن السؤال: "ما هو الإنجيل؟" حقًا، إن الإجابة عن هذا السؤال من شأنها أن تحكم بعدم صحة المحتوى الكرازي لعدد كبير من مرسليهم. هذا من شأنه أن يحبط مجتمع الإرسالية، الذي هو اتحاد فِدرالي (اتحاد مؤسسات) لكنائس لديها إجابات متباينة عن ذلك السؤال. إن تَبَنِّي موقفَ كنيسةٍ ما من شأنه أن يخسر دعم خمس كنائس أخرى. والنظام بكامله الذي بُني على الوحدة والعمومية سينهار.وقد لا تعود الكنيسة المحلية هي الأخرى محدَّدة فيما يختص بالحق. وقد يؤثِّر ذلك على انسجامها مع الطائفة أو الاتحاد (المجمع الكنسي). سيسبب تعريف الإنجيل بدقة نزاعًا مع الهيئات العاملة مع الشباب المراهقين. وسيثير مشكلات مزعجة مع مجالس إدارات الإرساليات وخلافًا مُخجِلًا مع المرسلين المدعومين لسنوات. وربما يحكم بعدم صلاحية برنامج مدارس الأحد أو التلمذة بكامله. إن إيلاء اهتمام أكثر من اللازم لمحتوى الإنجيل سيكون معناه الخلاف والاحتكاك."
ختامًا، علينا أن نقول مرة أخرى إن هدف الإرساليات المسيحية هو نشر الحق الكتابي. وأية محاولة لتتميم الإرسالية العظمى بالتقليل من أهمية العقيدة هو تناقض لاهوتي وفلسفي، ويُعد أمرًا منافيًا للعقل على أسوأ تقدير. علينا أن نرفض الكذبة التي تقول إن العقيدة، فيما خلا قضايا الإيمان المسيحي الأساسية، ليست جوهرية. إن العقيدة ليست ضد الإيمان المسيحي، بل بالأحرى هي أساسه. وبالرغم من وجود من يسببون ضررًا شديدًا بالجدال في أمور هامشية من دون محبة، فإن ضررًا أشد قد سبَّبه أولئك الذين يقللون من أهمية العقيدة ولا يتبعون نصيحة الرسول بولس للشاب تيموثاوس:
«لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ وَدَاوِمْ عَلَى ذلِكَ، لأَنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ هذَا، تُخَلِّصُ نَفْسَكَ وَالَّذِينَ يَسْمَعُونَكَ أَيْضًا.»
(1تيموثاوس 4: 16).
لقراءة المقال باللغة الإنجليزية:
https://heartcrymissionary.com/theological-forum/missions-a-theological-endeavor/