بغض النظر عما نؤمن به، فالحياة المسيحية معركة تدور رحاها على ثلاث جبهات.
أولًا، نحن في صراعٍ مع الجسد وشهواته الشريرة الَّتِي تُحَارِبُ الطبيعة الجديدة، وتحارب الروح الذي يسعى إلى أن يقودنا إلى قداسة أعظم (1بطرس 2: 11).نحن في هذه المعركة مدعوون إلى أن نُميت أعمال الجسد (رومية 8: 13) ونتبع أي "نطلب" بحماس القداسة الشخصية، الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ (عبرانيين 12: 14). إننا مدعوون إلى الموت كل يوم (لوقا 9: 23)، وإلى قمع جسدنا وإخضاعه (1كورنثوس 9: 27)، بل وأن نقطع من جذورها تلك الأشياء في حياتنا التي تسبب لنا السقوط (متى 5: 29-30). نحن مدعوون إلى جعل حياتنا تتشبَّع بكلمة الله، وتجديد أذهاننا حتى نكون قادرين على تمييز الأشياء التي تُرضي الرب ورفض الأشياء التي يبغضها (رومية 12: 2). نحن مدعوون إلى أن نمتلئ بالروح القدوس ونحيا حياة جديدة، ونكون حساسين على الدوام لمشيئته وقيادته (رومية 6: 4).أخيرًا، نحن مدعوون إلى فعل هذا في هذا العالم الذي يكره الله، والذي هو قاسي الفؤاد من جهة حقِّه، ورافضٌ لكل فضيلة وتقوى. يا له من نزاع رهيب في معركتنا هذه! ولولا الله الذي ينتج فينا الرغبة في أن نحيا حياة البر، ويعطينا النعمة الفعالة للقيام بذلك، لكُنَّا فنينا لا محالة. إنه قادر أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ الْقُوَّةِ الَّتِي تَعْمَلُ فِينَا(أفسس 3: 20).
ثانيًا، نحن نحارب شيئًا أكثر هَوْلًا من جسدنا الفاسد نفسه، فنحن نحارب رُّؤَسَاءِ، وسَّلاَطِينِ، ووُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، وأَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ(أفسس 6: 12). نحن مدعوون إلى محاربتهم وجهًا لوجه ومقاومتهم حتى إلى الموت، لكي تردِّدُ شهادتنا صدى المجد الإلهي. نحن مدعوون إلى محاربة عدوٍ تفوق قوَّته قوَّتنا بكثير، ومن ثم علينا ألا نضع ثقتنا في قوَّتنا نحن بل نتقوَّى في الرب وفي شدَّة قوَّته؛ كما أننا مدعوون إلى أن نلبس سلاح الله الكامل ونثبت على الرغم من شرِّ كل يوم (أفسس 6: 10-11). صحيح أن الشيطان يطوف مثل أسد يزأر ويبحث عن واحدٍ يفترسه (1بطرس 5: 8)؛ وصحيح أيضًا أنه طلب أن يغربلنا كما يُغربَل القمح (لوقا 22: 31)؛ ولكننا سنثبت راسخين لأن سيدنا قادر أن يُثبِّتنا ويأتي بنا إلى محضره في ذلك اليوم بفرح عظيم (يهوذا 24).
ثالثًا، نحن نحارب من أجل شيء أثمن من حياتنا بكثير، وأعظم من أهدافنا الشخصية، وأهم بكثير من خيرنا ومصلحتنا. نحن نحارب من أجل تقدُّم ملكوت المسيح على الأرض. نحن نكافح ونصلي ونراقب برجاء عظيم واحد، ألاوهو أن يتقدَّس اسمه، ويأتي ملكوته، وتتم مشيئته على الأرض كما هي في السماء (متى 6: 10). نحن نبذل طاقتنا وسِنيِّ عمرنا حتى تمتلئ الأرض من معرفة الله كما تغطي المياه البحر (حبقوق 2: 14). ونشتاق إلى ذلك اليوم الذي سنرى فيه جمعًا غفيرًا لا يستطيع أحد أن يحصيه، من كل قبيلة، ولغة، وشعب، واقفين أمام عرش الله يهتفون بصوت عظيم:
» الْخَلاَصُ لإِلهِنَا الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَلِلْخَرُوفِ«
كل واحد منا قد كُلِّف مهمة أن يرفع لواء المسيح على كل تلٍّ بعيد في كل أرض بعيدة. لو لم نكن قد دُعينا إلى الذهاب، فنحن مدعوون إلى الوقوف خلف الذين يذهبون ومساندتهم بتضحية مماثلة. ليست الإرسالية العظمى عملًا صغيرًا تقوم به الكنيسة، بل هي الشيء الذي أُمِرنا بأن نُتَمِّمه، وفي يوم الدينونة سنُحاسَب على اشتراكنا في حمل الإنجيل إلى الأمم؟ هل تعكس حياتنا أننا فاهمون بحق أن بدون الإنجيل لن يخلص أي إنسان؟
الكلمات التالية الموضوعة بين علامتي تنصيص قالها رجل ملحد ساخرًا من أولئك المسيحيين الذين أعلنوا أن المسيح هو الطريق الوحيد في حين لم يتحركوا لجعل المسيح معروفًا بين الأمم. كانت كلماته هذه هي التي دفعت المرسل الإنجليزي العظيم C.T. Studd إلى الذهاب إلى الصين، والهند، وإفريقيا، ولاحقًا إلى لفت الانتباه إلى هذه البلاد:
اقرأ هذه الكلمات بعناية، وافحص حياتك ورغباتك على ضوئها. "إن كان المسيح هو الله ومات من أجلي، فلا شيء سنفعله من أجله سيكون أكثر مما ينبغي. لو كنتُ مؤمنًا عن قناعة بما يقول الملايين أنهم مؤمنون به، وكانت معرفة الدين وممارسته هي كل شيء بالنسبة لي، لكنت نزعت عني كل ملذات دنيوية وكأنها عبء ثقيل؛ ولكنتُ اعتبرتُ كلَّ اهتمامات العالم حماقة، وكلَّ فكر دنيوي باطلًا. ولكان إيماني هو أول شيء أفكر فيه في الصباح وآخر صورة أراها قبل نومي، ولَبِتُّ أعمل فقط من أجل القضية، ولا أفكِّر إلا في الأبدية، ولكنت حَسِبْتُ كلَّ نَفْسٍ تُربَحُ للسماء أثمنَ قيمة، حتى لو كان ذلك يعني حياة مليئة بالألم. لن تمنعني أي عواقب أرضية أو تُخرس لساني؛ ولن تشغل مباهج العالم ولا أحزانه لحظة واحدة من تفكيري. كنت سأضع الأبدية وحدها نصب عيني، ونفوس الذين حولي المقدَّر لهم الشقاء الأبدي محط نظري. كنت سأذهب إلى العالم وأكرز في وقت مناسب وغير مناسب، ولكان نصِّي الكتابي هو: «لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ، وَأَهْلَكَ نَفْسَهُ أَوْ خَسِرَهَا؟»
ونحن نتطلَّع إلى هذه السنة الجديدة، علينا أن نتوجَّه بأنظارنا إلى العالم والحرب الدائرة فيه. هذه أعظم اللحظات في تاريخ المسيحية. لقد فتح الله الأبواب في أرجاء العالم حتى نكرز الآن بالإنجيل في أماكن كانت قبل بضع سنوات بعيدة المنال تمامًا بالنسبة لنا. أما الآن فالأبواب باتت مفتوحة، ولكن هل سندخل منها؟ هل سننتهز فرصة هذه اللحظة الحاسمة في التاريخ؟ إن هذا ليس وقت لضيِّقي الأفق، ولا لأصحاب القلوب الصغيرة، والأرواح المُغلقة. إنه وقت ليس فقط للوقوف بثبات، بل وأيضًا للزحف إلى الأمام. علينا أن نضع العالم خلفنا، وندخل من الأبواب التي فُتحت أمامنا، ونضع أيدينا على المحراث ولا ننظر إلى الوراء أبدًا.
العالم مكان فسيح جدًا، وكثيرون جدًا لم يسمعوا بعد بشارة الإنجيل.ما زال أمامنا الكثير لنعمله والكثير مما يمكن تحقيقه. هل ستستغل الكنيسة الفرصة لترى مجد الله بين الأمم؟ هل ستسمع الدعوة إلى أن تضع حياتك جانبًا وتصير جزءًا من شيء أكبر من نفسك؟ ماذا ستفعل؟ أيمكنك أن تفكِّر في شيء يمكن أن تبذل حياتك من أجل تحقيقه أعظم من الكرازة بالإنجيل لمن لم يسمعوه من قبل؟ إن هذا ليس وقت مناسب للتفكير في نجاحات مهنية، بل في الملكوت. ما الذي يجعلنا نرغب في شهرة في حين يعدنا الله بمجد (رومية 8: 18)؟ ما الذي يجعلنا نسعى إلى غنى العالم في حين أن كنوز السماء في متناول أيدينا (متى 6: 19-21)؟ لماذا نتلهَّف إلى إكليل يفنى بمرور الزمن في حين أننا مدعوون إلى ربح إكليل لايفنى (1كورنثوس 9: 25)؟ صديقي العزيز، لنركض إلى المعركة حتى نقف معه في ذلك اليوم العظيم، يوم الانتصار!
طوال الألفي سنة الماضية، ظلت المعركة من أجل تقدُّم ملكوت المسيح معركة مُكلِّفة.تشير التقديرات إلى أنه منذ القرن الأول استُشهد ما يزيد على خمسين مليون مسيحي بسبب إيمانهم بالرب، وهذا العدد في ازدياد. وحتى الآن، وأنت تقرأ هذا المقال، يموت رجال ونساء أتقياء، وأكثر منهم يُسجنون من دون أمل يُذكر في أن يطلق سراحهم من جديد في هذه الحياة. إن جريمتهم الوحيدة هي إيمانهم بالمسيح وامتناعهم عن إلقاء كتابهم المقدس جانبًا ورفضهم التوقف عن الكرازة بإنجيل ربِّهم ومخلِّصهم.
كيف عسانا أن نتجاوب بعد معرفة هذا العدد الرهيب من القتلى والمضرورين؟ لا توجد إلا إجابة واحدة: أن نركض بغير تردد إلى المعركة مقدِّمين حياتنا ذاتها من أجل القضية الوحيدة التي ستظل باقية: الملكوت الآتي لربنا وإلهنا. وباعتباري أخًا لك في المسيح، أناشدك أن تكون جنديًّا حقيقيًا في معركة تبليغ كل إنسان إنجيل يسوع المسيح. الحصاد وفير، غير أن العمال قليلون.
لقراءة المقال باللغة الإنجليزية:
https://heartcrymissionary.com/theological-forum/run-to-the-battle/